إن النشاط الإنساني بكافة جوانبه له أساس بيولوجي وفهم هذا النشاط يتطلب فهم هذا الأساس البيولوجي والذي لا ينكره أحداً من علماء النفس حتى وإن اختلفوا حول حجمه ومدى أهميته وأثره في السلوك .
ذلك السلوك المتمثل في كل ما يصدر عن الفرد من استجابات تثيرها فيه مثيرات داخلية أوخارجية، سواء كانت هذه الاستجابات خارجية المظهر يمكن ملاحظتها كالسلوك الحركي ، أو داخلية لا يمكن في كثير من الأحيان ملاحظتها بشكل مباشر كالتذكر والفهم ، ولذلك سننطلق في مناقشتنا وتناولنا للصحة النفسية من فرضية عامة أساسية ألا وهي علاقة السلوك الكلي المتكامل بوظائف الأعضاء البدنية المتنوعة والمتناغمة .
وإذا ما عرفنا أن الظاهرة النفسية ظاهرة تتسم ببعدي المعنى والدلالة وأن الوظيفة الجسمية تقف عند حدود الأداء وليس المعنى فإننا مطالبين لكي نفهم الإنسان بشكل أكبر وأشمل أن نتناوله كلاً بيولوجياً ونفسياً يشمل مستوى الدلالة والمعنى ومستوى الوظيفة البيولوجية بتفاعلاتها الجزئية والكلية .
والنشاط النفسي والنشاط البيولوجي ليسا نشاطين مستقلين منفصلين وإنما نشاطين في علاقة متبادلة ومتفاعلة ومتمفصلة يؤثر ويتأثر كلاهما بالآخر، فالأنشطة الفسيولوجية والكيميائية التي تجري داخل الجسم البشري تؤثر في سلوكه وتتأثر بما يطرأ عليه داخلياً وخارجياً .
ولكي نفهم الأساس الفسيولوجي لأنواع السلوك المختلفة يجب علينا دراسة الجهاز
العصبي بأجزائه المختلفة والجهاز الغدي والهرمونات التي يفرزها، ودراسة الأساس الكيميائي لنشاط المخ والجهاز العصبي وما يعتري العمليات الكيميائية والكهربائية والكهروكيميائية من تغيرات توثر في السلوك في سوائه ومرضه وتتأثر به .
ولهذا سنركز على الإنسان بوصفه وحدة بيولوجية نفسية متماسكة متكاملة تستجيب لبيئتها الخارجية والداخلية بوسائل متنوعة ، فأنت أخي الكريم وأختي الفاضلة ، حين تفكر في موضوع معين أو تحاول تذكره يعتريك في نفس الوقت تغيرات جسمية وحالات وجدانية مختلفة كنشاط حواسك، تواترت عضلاتك إفرازات في غددك ، تغيرات في التنفس ودورة الدم وعملية الهضم ، ونشاط يختلف من فرد إلى آخر في التيارات الكهربية بالمخ والأنسجة والأعضاء المختلفة ، إضافة إلى تعبيرات وإيماءات وحركات وأوضاع جسمية خاصة سواء في الجلوس أم الوقوف أم المشي أو في النوم يتخذها كل إنسان أثناء تفكيره أو تذكره لأمر ما ، ولذلك فالتفكير يرتبط بكلام باطن وبنشاط حركي دقيق في أعضاء النطق والحنجرة واللسان والشفتين ، وبنشاط كهروكيميائي في مراكز الإبصار والسمع وغير ذلك من التأثيرات وكذلك الحال عند الحزن أو الخوف أو الغضب أو الفرح أو السعادة كلا تكون مصحوبة بمظاهر حسية فسيولوجية داخلية وخارجية تمس الجهاز العصبي والغدد والأعضاء والأنسجة … والإنسان ككل .
وكل مجالات الإنسان لا يمكن فهمها بمعزل عن بعضها ، لأن أي وظيفة نفسية ما لا تعتمد على جزء واحد في الجسم الإنساني بل على عدد من الوظائف التي تتكامل فيما بينها لتعطينا في النهاية الأداء السليم لهذه الوظيفة ، فعلى سبيل المثال فهمنا لكلمة " حنان " إن إدراك هذه الكلمة وفهمها يعتمد على أكثر من جزء فهي تمر أولاً على جهاز السمع إذا كانت مسموعة أو على جهاز الإبصار إذا كانت مكتوبة وهي تعتمد على سلامة الجهاز الذي ستمر فيه ، ثم بعد ذلك دور الأعصاب الموصلة للتنبيه الذي أحدثته هذه الكلمة مثل العصب السمعي أو العصب البصري، وما يصاحب هذا التوصيل من تغيرات كهروكيميائية تعتري العصب ليقوم بنقل التنبيه وأخيراً تصل إلى مراكز بعينها في المخ " مركز السمع أو الإبصار " حيث تتلقى هذه المراكز التنبيه فتحدث الإحساس ثم تشارك بعد ذلك مراكز أخرى خاصة بالفهم والإدراك لتعرف ماهية الكلمة التي استقبلناها – حنان – وهذا الفهم يعتمد على سابق خبرتنا – " من هي حنان بالنسبة للمستقبـِل؟... هل هي "الأخت أم الأبنة أم الصديقة أم الحبيبة " أم الزميلة؟.... وما هي علاقتنا بها الآن؟... فإذا كانت زميلة هل هي زميلة محبوبة ومقبولة أم لا؟.. وهل هي متعاونة أم لا؟... هل هي عنيدة وأنانية أم متوافقة واجتماعية ؟… إلخ , هل الكلمة كمعنى للمشاعر والأحاسيس أم كإسم ذي دلالة أو لا؟ … إلخ .
وهو ما يعني الاستعانة بسابق خبرتنــا وعلى المخزون في ذاكرتنــا من معلومــات تضاهي كلمــة "حنان " بالخبرة السابقة سواء كانت خبرة سمعية أو بصرية، وهنا تحدث تغيرات كيميائية أخرى لاستدعاء المخزون الذي في ضوئه نستطيع فهم إدراك كلمة واحدة .. كحنان .. وصلت حواسنا واستقبلناها وإذا ما حدث أي اضطراب في الأجزاء السالفة الذكر فإن الإدراك كله سيضطرب.
ولأن الجهاز العصبي هو المنسق العام للسلوك والمؤثر في افرازات الغدد الصماء والمحدد للحركة الكهروكيميائية داخل الإنسان والتي بدورها تؤثر وتتأثر بالسلوك وتحدد إلى حد كبير صحة الإنسان الجسمية والنفسية على السواء لذا سيكون تناولنا للجهاز العصبي بشقيه الإرادي واللإرادي لا بشكله التشريحي الوظيفي الصرف ولكن في علاقته بالسلوك الإنساني الداخلي والخارجي كتأثير وتأثر .
الجهاز العصبي :
تشريحياً يعتبر شبكة الاتصالات العامة التي تربط بين جميع أجزاء الجسم عن طريق مجموعة من الأعصاب الممتدة ما بين أطراف الجسم المختلفة وأعضائه الداخلية والخارجية وبين المخ والجمجمة.
وظيفياً يسيطر على أجهزة الجسم المختلفة ويشرف على جميع الوظائف العضوية ويؤلف بينها في وحدة متكاملة تمكن الكائن الحي القيام بوظائفه على النحو الأفضل
اي هو الجهاز الذي يربط بين البيئة الداخلية ( أعضاء جسم الإنسان ) والبيئة الخارجية عن طريق الحواس الخمس والتي تلتقط المثيرات المختلفة وتقوم بإرسالها إلى المخ الذي يقوم بتصنيفها وتوزيعها على المراكز المعينة والتي تتولى إرسال الاستجابات المطلوبة إلى الأعضاء المختلفة في الجسم ومثلما هناك مثيرات من البيئة الخارجية تصل إلى المخ وتتطلب إلى استجابات معينة هنالك مثيرات من البيئة الداخلية في جسم الإنسان كالقلب والمعدة والرئة … ترسل أيضاً إحساسات حشوية داخلية تتطلب استجابات فورية ملائمة .
المسارات من وإلى الجهاز العصبي المركزي
ويوجد داخل الجسم الإنساني ما يقرب من 10-15 بليون خلية يوجد 90% منها في المخ ، 10% في بقية الجهاز العصبي.
وهي تختلف من حيث الحجم والشكل .
ويوجد في القشرة المخية فقط حوالي 20 مليار خلية عصبية . والعصب هو كابل واحد يضم مجموعة من المحاور في نسيج واحد وتنقسم الأعصاب من حيث وظائفها إلى :
· أعصاب حسية : وهي التي تنقل الأحاسيس المختلفة من سطح الجلد وأعضاء الحس إلى مراكزها الخاصة بالمخ والحبل الشوكي .
· أعصاب حركية : وهي التي تحمل التنبيهات والإثارة العصبية إلى عضلات الجسم المختلفة ( إرادية / لا إرادية ) .
· أعصاب مختلطة : وهي تحتوي على محاور عصبية وحركية وحسية ، وهي أكثر الأعصاب انتشاراً داخل الجسم .
تشريح الجهاز العصبي :
1- الجهاز العصبي الإرادي ( المركزي ) موقعه العمود الفقري والجمجمة ، أجزائه التشريحية . المخ ، النخاع الشوكي ، الأعصاب الدماغية .
2- الجهاز العصبي اللارادي ( الذاتي ) – السبثماوي والبارسبثماوي
المخ : هو أعلى مراكز الجهاز العصبي ويحتل عظام الجمجمة ويعتبر مركز الإدارة العليا ، حيث تتخذ فيه القرارات المعقدة وتصدر عنه الحركات الإرادية الراقية والتي تحتاج إلى قدرة في التحكم في الفعل .
وهو بمثابة جهاز أعمى وأصم في حجرة مغلقة ومعزولة وليس له اتصال بالعالم الخارجي وفي تعرفه على العالم الخارجي يعتمد على الرسائل التي تأتي إليه في شكل تيارات كهربائية تسمى بالدفعة العصبية ، وكل المثيرات تتحول إلى دفعات عصبية كي يفهمها المخ ( فسماعك لأغنية فيروز "نسم علينا الهوى" .. أو رؤيتك لوجه إبراهيم أو طعم عصير الليمون في فمك أو سماعك لنبأ مفرح أو سعيد أو حزين لا سمح الله ، كلها تختزل إلى دفعات عصبية ذات طبيعة خاصة ، يفهمها المخ ويفك شفرتها ، ويترجمها إلى أحاسيس مختلفة يتعامل معها بعد ذلك .
السحايا المخية :
الأم الحنون : غشاء رقيق ناعم ملتصق بالمخ والنخاع الشوكي .
الأم الجافية : ملتصقة بعظام الجمجمة وعظام العمود الفقري .
الأم العنكبوتية : غشاء رقيق يتصل بغشاء الأم الجافية بشبكة من الألياف الخيطية .
يتكون المخ من : النخاع المستطيل، القنطرة، المخيخ، المخ الأوسط، المهاد / الكلاموس، والنصفين الكرويين
النخاع المستطيل : هو الجزء التالي للنخاع الشوكي ومكانه قاع الجمجمة من أسفل وفيه يستقر أهم مركزين من مراكز الجهاز العصبي الذاتي ، وهما مركزا التنفس وحركة القلب والجهاز الوعائي كله، وتخرج من هذا الجزء الأربعة الأعصاب الأخيرة من الأعصاب الدماغية ، وهي العصب التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر .
القنطرة : وهي الجزء التالي للنخاع المستطيل وهي جسر متصل بالنخاع الشوكي أيضاً ويخرج منه أربعة من الأعصاب الدماغية ( وهي العصب الخامس والسادس والسابع والثامن ) .
المخيخ : ويقع في الجزء الخلفي من الدماغ وهو المسئول عن المحافظة على توازن الجسم وتنسيق وتآزر حركات الجسم ويتصل بالأعصاب التي تصل في قنوات الأذن حيث يؤكد لنا وضع أجسامنا بالنسبة للبنية المحيطة بنا ، وأي مرض يصيب هذا الجزء يجعل الإنسان يفقد توازنه الحركي .
والمخيخ قريبة الشبه بالمخ لذا سمي بالمخيخ أي المخ الصغير .
وينقسم المخيخ إلى :
المخيخ الرئيسي : وهو الجزء الأمامي من المخيخ ومسئول عن المحافظة على التوازن .
المخيخ القديم : وهو الجزء الأوسط من المخيخ ويختص بتوصيل الأوامر لعضلات الجسم وبالتالي ينظم توثر العضلات .
المخيخ الجديد : وهو الجزء الخلفي من المخيخ ويختص بتآزر الحركات الإرادية .
فمثلاً عندما نقف لا نقع على الأرض ، وعندما نجلس على الكرسي أو الفراش لا نقع على المقاعد أو الأرض ، وعندما نمشي لا نهوي ، وعندما تمد يدك تصل إلى المكان المعلوم وعندما تضع رجلك في الحذاء تدخل مكانها وكذلك عندما تلبس الجوارب … كل هذه الحركات يشترك في تنسيقها المخيخ (مايسترو الجسم ) فهو الذي يوجه ويسيطر ويربط ويوازن ويدرك الأوامر الآتية من المخ فيستوعب هذه الأوامر ثم ينبه العضلة المطلوب تحريكها بالقدر الذي تحتاجه هذه الحركة ( عندما تريد أن تمسك كأس الماء أو تسلم على أحد أو لتفتح الباب ، فإن الأوامر تصدر من المخ إلى العضلات ( الذراع والأصابع ) لإمساك الكأس أو للسلام أو لفتح الباب ، ولكي تترجم هذه الأوامر إلى أعمال تفصيلية تقوم بها 32 عضلة في اليد بالإضافة إلى عضلات أخرى في الذراع والكتف وهذه المهمة يقوم بها المخيخ كي تتم في سلام وتوفيق بحيث لا تتجاوز اليد الكأس أو يد الطرف الآخر والباب لفتحه بدون اختلال أو فقد توازن.
اضطرابات المخيخ : إذا اضطرب المخيخ لأسباب عضوية أنفية يؤدي إلى الآتي :
- ارتخاء العضلات .
- تقطع الكلام وتداخله .
- رأرأة العين ( حركات لا إرادية كأنها تبحث عن شيء ما ) .
- تقدير المسافة ( رمي الكرة مثلاً أو وضع شيء ما في مكانه كالمفتاح في القفل )
- ترنح المشي كما السكران ( لا يستطيع المشي متزناً مما يجعله يترنح شمالاً ويميناً ) .
المخ الأوسط : يعلو القنطرة ويعد آخر امتداد للمجمع العصبي ويرتبط بمجموعة أخرى من الأعصاب المخية وأهم مركز لحركات العين .
المهاد ( التلاموس ) المهيد ( اليهبوتلاموس ) :
المهاد وهو جزء يتوسط النصفين الكرويين وينتهي عنده الأعصاب الصاعدة، وتصدر عنه سيالات إلى قشرة المخ حيث يتم تقويم الأحاسيس المختلفة ( ما عدا حاسة الشم ) وإدراكها على الصور المألوفة والمفهومة عندنا ويتصل المهاد بمراكز الكلام أيضاً ويعمل على تكاملها ويتم فيه الإحساسات الانفعالية الأولى كالإحساس بالألم وبدرجة الحرارة والوجدان المصاحب للإحساس.
المهيد ( الهيبوتلاموس ) : وهو يقع تحت المهاد ورغم أنه يشغل حيز صغير من المخ إلا أنه على جانب كبير من الأهمية ، فيؤثر على القلب والدورة الدموية والجهاز الهضمي والتناسلي ويسمى أحياناً في السنوات الأخيرة بمركز الانفعالات.
أهم وظائفه :
- التحكم في درجة حرارة الجسم 37ْ .
- التحكم في وظائف الجهاز العصبي الذاتي .
- التحكم في ضغط الدم .
- تنظيم شهوة الطعام ( إحساسنا وشعورنا بالجوع / الشبع) .
- التحكم في النوم واليقظة .
- التحكم في السلوك الانفعالي .
- التحكم في السلوك العدواني .
- التحكم في التذكر والتعلم ( خاصة الذكريات القريبة ).
ذلك السلوك المتمثل في كل ما يصدر عن الفرد من استجابات تثيرها فيه مثيرات داخلية أوخارجية، سواء كانت هذه الاستجابات خارجية المظهر يمكن ملاحظتها كالسلوك الحركي ، أو داخلية لا يمكن في كثير من الأحيان ملاحظتها بشكل مباشر كالتذكر والفهم ، ولذلك سننطلق في مناقشتنا وتناولنا للصحة النفسية من فرضية عامة أساسية ألا وهي علاقة السلوك الكلي المتكامل بوظائف الأعضاء البدنية المتنوعة والمتناغمة .
وإذا ما عرفنا أن الظاهرة النفسية ظاهرة تتسم ببعدي المعنى والدلالة وأن الوظيفة الجسمية تقف عند حدود الأداء وليس المعنى فإننا مطالبين لكي نفهم الإنسان بشكل أكبر وأشمل أن نتناوله كلاً بيولوجياً ونفسياً يشمل مستوى الدلالة والمعنى ومستوى الوظيفة البيولوجية بتفاعلاتها الجزئية والكلية .
والنشاط النفسي والنشاط البيولوجي ليسا نشاطين مستقلين منفصلين وإنما نشاطين في علاقة متبادلة ومتفاعلة ومتمفصلة يؤثر ويتأثر كلاهما بالآخر، فالأنشطة الفسيولوجية والكيميائية التي تجري داخل الجسم البشري تؤثر في سلوكه وتتأثر بما يطرأ عليه داخلياً وخارجياً .
ولكي نفهم الأساس الفسيولوجي لأنواع السلوك المختلفة يجب علينا دراسة الجهاز
العصبي بأجزائه المختلفة والجهاز الغدي والهرمونات التي يفرزها، ودراسة الأساس الكيميائي لنشاط المخ والجهاز العصبي وما يعتري العمليات الكيميائية والكهربائية والكهروكيميائية من تغيرات توثر في السلوك في سوائه ومرضه وتتأثر به .
ولهذا سنركز على الإنسان بوصفه وحدة بيولوجية نفسية متماسكة متكاملة تستجيب لبيئتها الخارجية والداخلية بوسائل متنوعة ، فأنت أخي الكريم وأختي الفاضلة ، حين تفكر في موضوع معين أو تحاول تذكره يعتريك في نفس الوقت تغيرات جسمية وحالات وجدانية مختلفة كنشاط حواسك، تواترت عضلاتك إفرازات في غددك ، تغيرات في التنفس ودورة الدم وعملية الهضم ، ونشاط يختلف من فرد إلى آخر في التيارات الكهربية بالمخ والأنسجة والأعضاء المختلفة ، إضافة إلى تعبيرات وإيماءات وحركات وأوضاع جسمية خاصة سواء في الجلوس أم الوقوف أم المشي أو في النوم يتخذها كل إنسان أثناء تفكيره أو تذكره لأمر ما ، ولذلك فالتفكير يرتبط بكلام باطن وبنشاط حركي دقيق في أعضاء النطق والحنجرة واللسان والشفتين ، وبنشاط كهروكيميائي في مراكز الإبصار والسمع وغير ذلك من التأثيرات وكذلك الحال عند الحزن أو الخوف أو الغضب أو الفرح أو السعادة كلا تكون مصحوبة بمظاهر حسية فسيولوجية داخلية وخارجية تمس الجهاز العصبي والغدد والأعضاء والأنسجة … والإنسان ككل .
وكل مجالات الإنسان لا يمكن فهمها بمعزل عن بعضها ، لأن أي وظيفة نفسية ما لا تعتمد على جزء واحد في الجسم الإنساني بل على عدد من الوظائف التي تتكامل فيما بينها لتعطينا في النهاية الأداء السليم لهذه الوظيفة ، فعلى سبيل المثال فهمنا لكلمة " حنان " إن إدراك هذه الكلمة وفهمها يعتمد على أكثر من جزء فهي تمر أولاً على جهاز السمع إذا كانت مسموعة أو على جهاز الإبصار إذا كانت مكتوبة وهي تعتمد على سلامة الجهاز الذي ستمر فيه ، ثم بعد ذلك دور الأعصاب الموصلة للتنبيه الذي أحدثته هذه الكلمة مثل العصب السمعي أو العصب البصري، وما يصاحب هذا التوصيل من تغيرات كهروكيميائية تعتري العصب ليقوم بنقل التنبيه وأخيراً تصل إلى مراكز بعينها في المخ " مركز السمع أو الإبصار " حيث تتلقى هذه المراكز التنبيه فتحدث الإحساس ثم تشارك بعد ذلك مراكز أخرى خاصة بالفهم والإدراك لتعرف ماهية الكلمة التي استقبلناها – حنان – وهذا الفهم يعتمد على سابق خبرتنا – " من هي حنان بالنسبة للمستقبـِل؟... هل هي "الأخت أم الأبنة أم الصديقة أم الحبيبة " أم الزميلة؟.... وما هي علاقتنا بها الآن؟... فإذا كانت زميلة هل هي زميلة محبوبة ومقبولة أم لا؟.. وهل هي متعاونة أم لا؟... هل هي عنيدة وأنانية أم متوافقة واجتماعية ؟… إلخ , هل الكلمة كمعنى للمشاعر والأحاسيس أم كإسم ذي دلالة أو لا؟ … إلخ .
وهو ما يعني الاستعانة بسابق خبرتنــا وعلى المخزون في ذاكرتنــا من معلومــات تضاهي كلمــة "حنان " بالخبرة السابقة سواء كانت خبرة سمعية أو بصرية، وهنا تحدث تغيرات كيميائية أخرى لاستدعاء المخزون الذي في ضوئه نستطيع فهم إدراك كلمة واحدة .. كحنان .. وصلت حواسنا واستقبلناها وإذا ما حدث أي اضطراب في الأجزاء السالفة الذكر فإن الإدراك كله سيضطرب.
ولأن الجهاز العصبي هو المنسق العام للسلوك والمؤثر في افرازات الغدد الصماء والمحدد للحركة الكهروكيميائية داخل الإنسان والتي بدورها تؤثر وتتأثر بالسلوك وتحدد إلى حد كبير صحة الإنسان الجسمية والنفسية على السواء لذا سيكون تناولنا للجهاز العصبي بشقيه الإرادي واللإرادي لا بشكله التشريحي الوظيفي الصرف ولكن في علاقته بالسلوك الإنساني الداخلي والخارجي كتأثير وتأثر .
الجهاز العصبي :
تشريحياً يعتبر شبكة الاتصالات العامة التي تربط بين جميع أجزاء الجسم عن طريق مجموعة من الأعصاب الممتدة ما بين أطراف الجسم المختلفة وأعضائه الداخلية والخارجية وبين المخ والجمجمة.
وظيفياً يسيطر على أجهزة الجسم المختلفة ويشرف على جميع الوظائف العضوية ويؤلف بينها في وحدة متكاملة تمكن الكائن الحي القيام بوظائفه على النحو الأفضل
اي هو الجهاز الذي يربط بين البيئة الداخلية ( أعضاء جسم الإنسان ) والبيئة الخارجية عن طريق الحواس الخمس والتي تلتقط المثيرات المختلفة وتقوم بإرسالها إلى المخ الذي يقوم بتصنيفها وتوزيعها على المراكز المعينة والتي تتولى إرسال الاستجابات المطلوبة إلى الأعضاء المختلفة في الجسم ومثلما هناك مثيرات من البيئة الخارجية تصل إلى المخ وتتطلب إلى استجابات معينة هنالك مثيرات من البيئة الداخلية في جسم الإنسان كالقلب والمعدة والرئة … ترسل أيضاً إحساسات حشوية داخلية تتطلب استجابات فورية ملائمة .
المسارات من وإلى الجهاز العصبي المركزي
ويوجد داخل الجسم الإنساني ما يقرب من 10-15 بليون خلية يوجد 90% منها في المخ ، 10% في بقية الجهاز العصبي.
وهي تختلف من حيث الحجم والشكل .
ويوجد في القشرة المخية فقط حوالي 20 مليار خلية عصبية . والعصب هو كابل واحد يضم مجموعة من المحاور في نسيج واحد وتنقسم الأعصاب من حيث وظائفها إلى :
· أعصاب حسية : وهي التي تنقل الأحاسيس المختلفة من سطح الجلد وأعضاء الحس إلى مراكزها الخاصة بالمخ والحبل الشوكي .
· أعصاب حركية : وهي التي تحمل التنبيهات والإثارة العصبية إلى عضلات الجسم المختلفة ( إرادية / لا إرادية ) .
· أعصاب مختلطة : وهي تحتوي على محاور عصبية وحركية وحسية ، وهي أكثر الأعصاب انتشاراً داخل الجسم .
تشريح الجهاز العصبي :
1- الجهاز العصبي الإرادي ( المركزي ) موقعه العمود الفقري والجمجمة ، أجزائه التشريحية . المخ ، النخاع الشوكي ، الأعصاب الدماغية .
2- الجهاز العصبي اللارادي ( الذاتي ) – السبثماوي والبارسبثماوي
المخ : هو أعلى مراكز الجهاز العصبي ويحتل عظام الجمجمة ويعتبر مركز الإدارة العليا ، حيث تتخذ فيه القرارات المعقدة وتصدر عنه الحركات الإرادية الراقية والتي تحتاج إلى قدرة في التحكم في الفعل .
وهو بمثابة جهاز أعمى وأصم في حجرة مغلقة ومعزولة وليس له اتصال بالعالم الخارجي وفي تعرفه على العالم الخارجي يعتمد على الرسائل التي تأتي إليه في شكل تيارات كهربائية تسمى بالدفعة العصبية ، وكل المثيرات تتحول إلى دفعات عصبية كي يفهمها المخ ( فسماعك لأغنية فيروز "نسم علينا الهوى" .. أو رؤيتك لوجه إبراهيم أو طعم عصير الليمون في فمك أو سماعك لنبأ مفرح أو سعيد أو حزين لا سمح الله ، كلها تختزل إلى دفعات عصبية ذات طبيعة خاصة ، يفهمها المخ ويفك شفرتها ، ويترجمها إلى أحاسيس مختلفة يتعامل معها بعد ذلك .
السحايا المخية :
الأم الحنون : غشاء رقيق ناعم ملتصق بالمخ والنخاع الشوكي .
الأم الجافية : ملتصقة بعظام الجمجمة وعظام العمود الفقري .
الأم العنكبوتية : غشاء رقيق يتصل بغشاء الأم الجافية بشبكة من الألياف الخيطية .
يتكون المخ من : النخاع المستطيل، القنطرة، المخيخ، المخ الأوسط، المهاد / الكلاموس، والنصفين الكرويين
النخاع المستطيل : هو الجزء التالي للنخاع الشوكي ومكانه قاع الجمجمة من أسفل وفيه يستقر أهم مركزين من مراكز الجهاز العصبي الذاتي ، وهما مركزا التنفس وحركة القلب والجهاز الوعائي كله، وتخرج من هذا الجزء الأربعة الأعصاب الأخيرة من الأعصاب الدماغية ، وهي العصب التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر .
القنطرة : وهي الجزء التالي للنخاع المستطيل وهي جسر متصل بالنخاع الشوكي أيضاً ويخرج منه أربعة من الأعصاب الدماغية ( وهي العصب الخامس والسادس والسابع والثامن ) .
المخيخ : ويقع في الجزء الخلفي من الدماغ وهو المسئول عن المحافظة على توازن الجسم وتنسيق وتآزر حركات الجسم ويتصل بالأعصاب التي تصل في قنوات الأذن حيث يؤكد لنا وضع أجسامنا بالنسبة للبنية المحيطة بنا ، وأي مرض يصيب هذا الجزء يجعل الإنسان يفقد توازنه الحركي .
والمخيخ قريبة الشبه بالمخ لذا سمي بالمخيخ أي المخ الصغير .
وينقسم المخيخ إلى :
المخيخ الرئيسي : وهو الجزء الأمامي من المخيخ ومسئول عن المحافظة على التوازن .
المخيخ القديم : وهو الجزء الأوسط من المخيخ ويختص بتوصيل الأوامر لعضلات الجسم وبالتالي ينظم توثر العضلات .
المخيخ الجديد : وهو الجزء الخلفي من المخيخ ويختص بتآزر الحركات الإرادية .
فمثلاً عندما نقف لا نقع على الأرض ، وعندما نجلس على الكرسي أو الفراش لا نقع على المقاعد أو الأرض ، وعندما نمشي لا نهوي ، وعندما تمد يدك تصل إلى المكان المعلوم وعندما تضع رجلك في الحذاء تدخل مكانها وكذلك عندما تلبس الجوارب … كل هذه الحركات يشترك في تنسيقها المخيخ (مايسترو الجسم ) فهو الذي يوجه ويسيطر ويربط ويوازن ويدرك الأوامر الآتية من المخ فيستوعب هذه الأوامر ثم ينبه العضلة المطلوب تحريكها بالقدر الذي تحتاجه هذه الحركة ( عندما تريد أن تمسك كأس الماء أو تسلم على أحد أو لتفتح الباب ، فإن الأوامر تصدر من المخ إلى العضلات ( الذراع والأصابع ) لإمساك الكأس أو للسلام أو لفتح الباب ، ولكي تترجم هذه الأوامر إلى أعمال تفصيلية تقوم بها 32 عضلة في اليد بالإضافة إلى عضلات أخرى في الذراع والكتف وهذه المهمة يقوم بها المخيخ كي تتم في سلام وتوفيق بحيث لا تتجاوز اليد الكأس أو يد الطرف الآخر والباب لفتحه بدون اختلال أو فقد توازن.
اضطرابات المخيخ : إذا اضطرب المخيخ لأسباب عضوية أنفية يؤدي إلى الآتي :
- ارتخاء العضلات .
- تقطع الكلام وتداخله .
- رأرأة العين ( حركات لا إرادية كأنها تبحث عن شيء ما ) .
- تقدير المسافة ( رمي الكرة مثلاً أو وضع شيء ما في مكانه كالمفتاح في القفل )
- ترنح المشي كما السكران ( لا يستطيع المشي متزناً مما يجعله يترنح شمالاً ويميناً ) .
المخ الأوسط : يعلو القنطرة ويعد آخر امتداد للمجمع العصبي ويرتبط بمجموعة أخرى من الأعصاب المخية وأهم مركز لحركات العين .
المهاد ( التلاموس ) المهيد ( اليهبوتلاموس ) :
المهاد وهو جزء يتوسط النصفين الكرويين وينتهي عنده الأعصاب الصاعدة، وتصدر عنه سيالات إلى قشرة المخ حيث يتم تقويم الأحاسيس المختلفة ( ما عدا حاسة الشم ) وإدراكها على الصور المألوفة والمفهومة عندنا ويتصل المهاد بمراكز الكلام أيضاً ويعمل على تكاملها ويتم فيه الإحساسات الانفعالية الأولى كالإحساس بالألم وبدرجة الحرارة والوجدان المصاحب للإحساس.
المهيد ( الهيبوتلاموس ) : وهو يقع تحت المهاد ورغم أنه يشغل حيز صغير من المخ إلا أنه على جانب كبير من الأهمية ، فيؤثر على القلب والدورة الدموية والجهاز الهضمي والتناسلي ويسمى أحياناً في السنوات الأخيرة بمركز الانفعالات.
أهم وظائفه :
- التحكم في درجة حرارة الجسم 37ْ .
- التحكم في وظائف الجهاز العصبي الذاتي .
- التحكم في ضغط الدم .
- تنظيم شهوة الطعام ( إحساسنا وشعورنا بالجوع / الشبع) .
- التحكم في النوم واليقظة .
- التحكم في السلوك الانفعالي .
- التحكم في السلوك العدواني .
- التحكم في التذكر والتعلم ( خاصة الذكريات القريبة ).