بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده، وبعد:
قال لي صاحبي: كم كنت أهيم بحبٍّ من أهواها...
آهٍ.. إنّها أتلفت قلبي.. وعطلت ذهني عن التّفكير فيمن سواها..
فقلت له: رفقًا بنفسك يا فتى..
فقال: إنّ الهوى لا يرفُقُ.. إنّي متيمٌ؛ عاشقٌ؛ أذوب في هواها وأتوجدُ على رؤياها.. هي لي: ربيع عمري..، وزهر روضي، وظل هاجرتي.. هي لي: أملي، ومستقبلي، وحاضري.. وسلوتي.. هي لي: كسماء للأرض، سقاءٌ وغطاءٌ.. هي لي: كبارقة الفجر للمسافر، وكبارقة الأمل للصّابر..، وكحلاوة اللقاء..
فقلت: رفقًا بنفسك يا فتى ..
فقال: إنّ الهوى لا يرفقُ.. إنّها تثير المشاعر، وتحرك الأحاسيس، إنّها عجيبةٌ.... نعم.. فلقد ذقت هواها، وما تعلقت بسواها.. فبها أهيم..، وبطريق حبّها أستقيم.. ولها أطيع.. ولو لم أستطع.. إنّها جذابةٌ.. إنّها فاتنةٌ.. إنّها... إنّها... إنها.....
فقلت: رفقًا بنفسك يا فتى..
فقال: إنّ الهوى لا يرفقُ.. هي لي كجدولٍ عذبٍ بالحبّ يجري في عروقي، وكماءٍ عذبٍ زلالٍ يسري في أعماقي.. هي كالدّوحة الغناء..، وكالظّل الوارف..، وكالحرير في الملمس.. هي صادقة كالشّمس، جميلة كالقمر، فاتنة كالبدر..
فقلت: رفقاً بنفسك يا فتى .. ولنحتكم أنا وأنت إلى الشّرع الحنيف؛ لنجد الحل الصّحيح..
فقال: أعلم أن ما في الشّرع ظلمٌ لأحدٍ، وأنّه منصف لكلّ أحدٍ.. وأعلم أنّه يراعي الأحوال والمشاعر..
فقلت: إذاً فلنتجرّد من هذه العواطف.. ولنبحث فيما قاله سلف هذه الأمة -رحمهم الله- في هذه المعضلة؛ في ضوء نصوص الكتاب الكريم والسّنّة النّبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم..
فاعلم أيّها المبارك: أنّ هذا الحبّ بمعنى: إيثارُ المحبوب على جميع المصحوب، وهو إيثارُ مراد المحبوب على مراد المحب..
واعلم أيّها المبارك: أنّ الحبّ ينقسم إلى قسمين رئيسين هما:
أولًا: الحبّ الصّالح، وله أقسامٌ منها:
1- محبة الله.
2- محبة النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
3- المحبة في الله.
فمحبة الله: تقتضي محبّة ما يحبّه الله من الأقوال والأفعال، والاعتقادات الظّاهرة والباطنة؛ وهي أصل السّعادة، وركيزة الإيمان.. وتقتضي أيضًا طاعة الله فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، والتّسليم، والرّضا {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].
ومحبّة النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: تقتضي طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 132]، وتقتضي محبّته -صلّى الله عليه وسلّم-، امتثال أمره بقبولٍ، وتسليمٍ، ورضا.. حُبًّا يفوق حبّ المال والأهل والولد..
أما المحبّة في الله -جلّ وعزّ-: فتقتضي التّناصح، والتّسامح، والخلوص من المصالح الدّنيويّة، والمنافع الشّخصيّة، وسلامة الصّدر، وحسن الظّنّ، وحفظ الود والعهد، والصّدق، وغيرها كثير..
ثانيًا: الحب الفاسد ، وهو أقسامٌ منها:
1- حب الشّبهة، وهو حبٌّ لمبدأ مغاير لطريق أهل السّنّة والجماعة.. وهو ضلالٌ وانحرافٌ وغوايةٌ؛ لأنّ فيه مضادةً لما جاء عن الله -جلّ وعزّ-، وعن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: فيه ترويجٌ للفكر الإباحيّ الكفريّ، وعرض للأفكار الهدامة، وفيه تشبهٌ بالكفار في عاداتهم وأساليبهم وتفكيرهم وتصوراتهم، وقد يكون في مذهبٍ، أو كتابٍ، أو قناةٍ إعلاميةٍ فضائحيّةٍ..، على العموم ليس هذا مناط حديثنا، وإنّما الكلام على القسم الثّاني وهو:
2- حب الشّهوة، وهذا المقصود من حديثي معك؛ لأن حبّك مبني عليه..
فاعلم -يا رعاك الله- أنّ من أعظم أسباب هذا الحبّ ما يلي:
أولًا: قلة الخوف من الله، وكثرة الإعراض عن الله، والغفلة عن طريق الصّلاح، والبعد عن أهل الخير.
ثانيًا: عدم حفظ الطّرف، فأول الحبّ نظرة كما قيل..
وصدق الأول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدًا***لقلبك يومًا أتعبتك المناظرُ
رأيت الّذي لا كلهُ أنت قادرٌ***عليه ولا عن بعضه أنتَ صابرُ
ثالثًا: الحاجة والمصلحة، فإذا انقضت الحاجة، انقضى ذلك الحبّ..
أحبُّ أبا مروان من أجل تمرهِ***ووالله لولا تمرهُ ما حببتهُ
فتأمل!!
رابعًا: الحب من أجل التّسلي، وإرضاء الغرور، ومجاراة الطّيش ، ولا أدل على هذا من قصة قيس مع ليلاه، وحبّه لها، وتعلقه بها، حتى وصل به الحال لأسوأ ما يكون.. فلقد كان يتعرى من ثيابه، ويخرج من بين البيوت وينادي باسم محبوبته، ويتمتم، ويقول:
وأخرج من بين البيوت لعلني***أحدث عنك النّفس بالّسر خاليًا
ويهيم على وجهه كالمجنون من أجل ليلاه -نعوذ بالله من الخذلان-، وصدق من قال:
أول الحبّ مزاحٌ وولعٌ***ثمّ يزداد فيزداد الطّمع
كل من يهوى وإن طالت به***رتبة الملك لمن يهوى تبع
وما علم المسكين أنّها تحمل في جوفها العذرة، وأنّها تموت.. فكان يفقد الصّواب حتى إذا ذكرت عنده عاد عليه عقله -عياذًا بالله من هذه الحال-؛ فنصحه ناصحٌ بالتّوبة من حبّها، وبترك ذلك الطّريق المظلم.. فرد على ذلك النّاصح بقوله:
أتوب إليك يا رحمن مما***جنت نفسي فقد عظم الذّنوب
وأما من هوى ليلى وتركي***زيارتها فإنّي لا أتوبُ
نعوذ بالله من الخذلان.. فقد علق قلبه حبها، وتعلقها في قلبه، وقد جاء في الحديث: «من تعلق شيئًا وكل إليه» [رواه التّرمذي 2072 وصححه الألباني]، فانظر هديت إلى هذه الذّلّة، والهوان.
خامسًا: الفراغ ، وهو من أسباب تعلّق القلب بغير الربّ عند كثيرٍ من الجهال؛ إذ لو كان المرء مشغولًا بعلمٍ، أو عبادةٍ ، أو عملٍ لما وقع فيما وقع، فالحبّ شغل قلبٍ فارغٍ، "صادف قلبًا خاليّا فتمكن"، ولا تنسى أن نفسك إن لم تشغلها بالطاّعة شغلتك بغيرها.
سادسًا: مجارات الأقران، والأصحاب في سلوك هذا الباب، وهذا تقليدٌ أعمى لهم، ولمن لفّ لفَّهم من أهل قصص العشق والغرام، وروايات الخلاعة، والفسوق، وأغاني الحرام، الّتي هي بريد الزّنا -أجارنا الله وإياكم-.
سابعًا: التّبرج والسّفور، وهو من أعظم مسببات هذا البلاء العظيم.
ثامنًا: استخدام نعمة الله في غير موضعها: ومن ذلك نعمة الاتصال بالغير، وما يسره الله على العبد من حفظ لجهده، ولوقته، ولماله، ولصحته.. فيستخدم هذه النّعمة في معصية المنعم -جلّ وعزّ-، وهذا جهلٌ عظيمٌ، وخطرٌ جسيمٌ.. فيقع في المعاكسات، ويوقع غيره، ويصرف هذه النّعمة في معصية المنعم -جلّ وعزّ-، كل هذا وهو متساهلٌ في شأن هذا الجهاز، جاهلُ بالعواقب الوخيمة ناسيًا أو متناسيًا أنّ المنعم -جلّ وعزّ- مطلع عليه.
تاسعًا: تيسر الوسائل المعينة علية، من تلفازٍ، وقنواتٍ فضائحيّةٍ تبيح الأعراض، والمحرمات، وتهتك الأستار، وتؤذي أهل العفة والخير من الخلق.
ومن الوسائل كذلك ما كان مقروءً من الكتب الّتي تدعو للإباحة بدعوى الأزياء، والموضة أو بدعوى الصّحة الذّاتية أو بدعوى الثّقافة الجنسيّة أو بدعوى الرّوايات الإبداعيّة، أو بدعوى القصص البوليسيّة.. وسواء كانت في كتبٍ أو كتيباتٍ أو مقالاتٍ أو ذكرياتٍ -كما يفعل بعض من خذله الله- أو سِيَر ذاتية عفنة.
عاشرًا: الجهل بالنّتائج الحتمية للحبّ الفاسد؛ إذ لو علم المحب تلك النّتائج لما وقع فيما وقع فيه، فالحكم على الشّيء فرعٌ عن تصوره، وهذا المحبّ لم يتصور نهاية المطاف؛ ومن هذه النّتائج في الغالب ما يلي:
1- "نقص العقل، والعلم، وفساد الدّين والخلق، والاشتغال عن مصالح الدّين والدّنيا"، كان هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو جامع للنّتائج الحتمية للحبّ الفاسد.
2- ومن أخطر هذه النّتائج أنّه طريق لميل القلب لغير خالقه، وفي هذا ما فيه.
3- سوء الخاتمة -أجارنا الله وإياكم-، ووالله ما من هذا الحبّ الفاسد إلا الذّلّ والصّغار والهوان عند الخلق والخالق.
4- ومن هذه النّتائج الخطيرة، وقوع الشّرك الّذي حرّمه الله -جلّ وعزّ-، إذ شرك المحبّة قسمُ من أقسام الشّرك الّذي حرّمه الله على خلقه، وحرّم على من فعله أو وقع فيه دخول الجنّة، فقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].
5- الوقوع في التّشبه بأهل الكفر، والفساد، ومن تشبه بقوم فهو منهم، كما في الحديث.
6- وقوع السّوء من الفحش، ومقدماته -عياذًا بالله-.
7- الضّعف والخور في العزيمة ، فصاحب هذا الدّاء ، بطال من البطالين، خائر العزيمة، بارد الهمّة دائمًا.
8- التّدهور النفسيّ، والاكتئاب، والأحزان، والهموم، والغموم، وفقدان الثّقة بالنّفس.
9- الخوف الدّائم من انكشاف العوار، وانهتاك الأستار، والفضيحة والعار.
10- ضياع الأمن، والاطمئنان.
11- البطالة في الحياة المعيشيّة.
12- إفساد البيوتات على أصحابها، وتمزيق وحدة المنزل، وأُلفَتُه، واجتماعه.
13- رفض الزّواج سواءً المبكر أو غيره، ممّا يؤدي لفشو العنوسة بين الفتيات، وهذا نذير سوء بالفواحش وشيوعها.
14- الخيانات الزّوجية ، فكما قال الشّافعي -رحمه الله-:
إنّ الزّنا دَينٌ إذا أقرضتهُ***كان الوفا من أهل بيتك
فاعلم -أجارنا الله وإياكم-، وعصمنا وذرياتنا وإيّاكم وكلّ مسلمٍ ومسلمةٍ.
15- انتشار الجرائم في البلاد، وفشوها بين العباد.
16- ذهاب الكرامة الّتي أكرم الله بها الإنسان، وإتيان الشّهوانيّة الحيوانيّة.
17- إهدار كرامة المرأة، وجعلها موضعًا لقضاة الوطر فقط، وهذا غلطٌ عظيمٌ.
18- وهناك ضررٌ طريفٌ ظريفٌ، وهو الضّرر الماديّ، في فواتير الهواتف، وفواتير الهدايا وغيرها، عصمنا الله وإيّاكم من الخذلان.
والنّتائج السّلبية الحتمية لداء الحبّ كثيرة، وهذه عُلالة منها علّ الله -جلّ وعزّ- يصرفنا وكلّ مسلمٍ ومسلمةٍ عن مواطن غضبه وسخطه، وأن يوفقنا وإياكم لما فيه صلاح الحال، والمآل، إن الله وليُّ ذلك والقادر عليه.
قال صاحبي وهو يحاورني: وبعد ما سبق أرفع لك يا أخي علم الاستسلام، وقد وقر في قلبي أنّ حبّي حبّ فاسدٌ، وأستغفر الله وأتوب إليه.. لكن ما هو أفضل أقسام الحبّ على الإطلاق؟!
فقلت: أفضلها الحب في الله، ولله -جلّ وعزّ-، وهو الحبّ الصّالح.. وهو دليل الإيمان، ولا أدل عليه من مقولة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما أعتق أبو بكر بلال بن رباح -رضي الله عنهما-، قال: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا.
فقال: إذًا الحبّ في الله ولله من أعظم أبواب الخير.
قلت: نعم ، وأزيدك ما يلي: اعلم أخي أن الحبّ في الله ولله من أعظم أبواب الخير كما أسلفت، وأنّه سببٌ من أسباب الشّعور بحلاوة الإيمان، وأنّ القلب تابعٌ للعقيدة والإيمان، فمن آمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- رسولًا، فلا بد أن يحبّ الله، ويحبّ في الله، وما يحبّه الله ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم-.. ولا تنسى أخي المبارك أنّ الأخلاء يوم القيامة بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتقين، وصدق من قال:
كلّ محبوبٍ سوى الله سرف***همومٌ وغمومٌ وأسفٌ
كلّ محبوبٍ فمنهُ خلفٌ***ما خلا الرّحمن ما منهُ خلفُ
يقول ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: من تمام محبّة الله، محبّة ما يحبّه، وكراهية ما يكرهه.
ويقول ابن القيم -رحمه الله-: من أحبّ شيئًا سوى الله، ولم تكن محبّته لله، ولا لكونه معينًا على طاعة الله، عُذب في الدّنيا قبل اللقاء..
أنت القتيلُ بكل من أحببتهُ***فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
فقال: لقد استغفرت الله، وتبتُ إليه مما كنتُ فيه من الحب، ولكن هل هناك حلٌ قاطعٌ ودواءٌ ناجحٌ لبلواي؟
قلت: نعم..
قال: فعجل به..
قلت: هاك ما تريد.. فأول العلاج -بارك الله فيك- التّوبة النّصوحة لله -جلّ وعزّ- بلا عودةٍ، مع الحرص على البعد عن المحبوب من أجل أن لا تتذكر سوابقك، وعدم الإصرار على ما فات.. وأيضًا من العلاج المداومة على ذكر الله وما والاه من تسبيحٍ وعبادةٍ، وصلاةٍ، وصيامٍ، وحجٍّ، وعمرةٍ، وحضور حلق العلم، ومصاحبة الصّالحين، ودعاءٍ صالحٍ.. وأيضًا من العلاج قضاء الوقت فيما ينفع من أمور الدّنيا والدّين.. وأيضًا من العلاج الزّواج المبكر، وأيضًا من العلاج غضّ البصر واستشعار مراقبة الله لك في كلّ حال من أحوالك.. وأيضًا من العلاج التّفكر في المحبوب، والنّظر في العيوب، فإنّ كلّ محبوب من الخلق فيه نقصٌ، فهو يبول ويتغوط، ويتمخط، ويموت.. وأيضًا من العلاج أن ينظر فيما يفوت عليه حبّه من المصالح الدّينية والدّنيوية.. وأيضًا من العلاج ممارسة بعض الأعمال النّافعة، ولو كانت رياضية للتقوّي على الطّاعة وتدريب النّفس على معاني الرّجولة.. وأيضًا من العلاج النّظر في أحوال أصحاب الأمراض المستعصية، وزيارتهم في المستشفيات، والاطلاع على أحوالهم، ليتذكر المحب نعمة الله العظيمة عليه، وأنّ الله محسن إليه.. وأيضًا من العلاج تجنب مطالعة الصّور المثيرة لهذا الدّاء القتّال، سواء أكانت في أوراق أو في صحفٍ، أو في مجلاتٍ، أو في كتبٍ، أو في قنواتٍ فضائحيةٍ.. وأيضصا من العلاج الابتعاد عن آلات الطّرب وعن سماع الغنى فإنّه بريد الزّنا وشريكه..
وأيضًا إعمال الذّهن، وإشغاله بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، والسّنّة النّبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتّم التّسليم؛ والأشعار العربية الفصيحة الّتي تزيد من تقويم عوج اللسان.. وأيضًا من العلاج هجر أماكن السّوء، وأصحاب السّوء.
قال صاحبي: الآن أدركت أنّي كنت في ضياعٍ.. أشهد الله، ثم أشهدك أنّي تائبٌ من ذنبي عائدٌ إلى ربّي.. غفر الله لي ولك، وجزاك عنّي خير الجزاء.
قلت: وفقنا الله وإياك يا أخي وكلّ مسلمٍ ومسلمةٍ لما فيه صلاح أمرنا في الدّنيا والآخرة، وثبت قلوبنا على الحق إلى يوم نلقاه.. فله الحمد على نعمة الهداية، وله الشّكر على فضله.
واعلم أخي التّائب: أنّ العبد إذا ذُكر فتذكّر، وعُلم فتعلّم وفُهم فتفهّم ، أنّه على خيرٍ عظيمٍ.
وفق الله الجميع لصلاح النّيّة والعمل، ولمعرفة مخططات الأعداء وكيدهم، إنّ الله ولي ذلك والقادر عليه.. تمّ ما تمّ وكتب ما تقدم، وصلّى الله على محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده، وبعد:
قال لي صاحبي: كم كنت أهيم بحبٍّ من أهواها...
آهٍ.. إنّها أتلفت قلبي.. وعطلت ذهني عن التّفكير فيمن سواها..
فقلت له: رفقًا بنفسك يا فتى..
فقال: إنّ الهوى لا يرفُقُ.. إنّي متيمٌ؛ عاشقٌ؛ أذوب في هواها وأتوجدُ على رؤياها.. هي لي: ربيع عمري..، وزهر روضي، وظل هاجرتي.. هي لي: أملي، ومستقبلي، وحاضري.. وسلوتي.. هي لي: كسماء للأرض، سقاءٌ وغطاءٌ.. هي لي: كبارقة الفجر للمسافر، وكبارقة الأمل للصّابر..، وكحلاوة اللقاء..
فقلت: رفقًا بنفسك يا فتى ..
فقال: إنّ الهوى لا يرفقُ.. إنّها تثير المشاعر، وتحرك الأحاسيس، إنّها عجيبةٌ.... نعم.. فلقد ذقت هواها، وما تعلقت بسواها.. فبها أهيم..، وبطريق حبّها أستقيم.. ولها أطيع.. ولو لم أستطع.. إنّها جذابةٌ.. إنّها فاتنةٌ.. إنّها... إنّها... إنها.....
فقلت: رفقًا بنفسك يا فتى..
فقال: إنّ الهوى لا يرفقُ.. هي لي كجدولٍ عذبٍ بالحبّ يجري في عروقي، وكماءٍ عذبٍ زلالٍ يسري في أعماقي.. هي كالدّوحة الغناء..، وكالظّل الوارف..، وكالحرير في الملمس.. هي صادقة كالشّمس، جميلة كالقمر، فاتنة كالبدر..
فقلت: رفقاً بنفسك يا فتى .. ولنحتكم أنا وأنت إلى الشّرع الحنيف؛ لنجد الحل الصّحيح..
فقال: أعلم أن ما في الشّرع ظلمٌ لأحدٍ، وأنّه منصف لكلّ أحدٍ.. وأعلم أنّه يراعي الأحوال والمشاعر..
فقلت: إذاً فلنتجرّد من هذه العواطف.. ولنبحث فيما قاله سلف هذه الأمة -رحمهم الله- في هذه المعضلة؛ في ضوء نصوص الكتاب الكريم والسّنّة النّبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم..
فاعلم أيّها المبارك: أنّ هذا الحبّ بمعنى: إيثارُ المحبوب على جميع المصحوب، وهو إيثارُ مراد المحبوب على مراد المحب..
واعلم أيّها المبارك: أنّ الحبّ ينقسم إلى قسمين رئيسين هما:
أولًا: الحبّ الصّالح، وله أقسامٌ منها:
1- محبة الله.
2- محبة النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
3- المحبة في الله.
فمحبة الله: تقتضي محبّة ما يحبّه الله من الأقوال والأفعال، والاعتقادات الظّاهرة والباطنة؛ وهي أصل السّعادة، وركيزة الإيمان.. وتقتضي أيضًا طاعة الله فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، والتّسليم، والرّضا {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].
ومحبّة النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: تقتضي طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 132]، وتقتضي محبّته -صلّى الله عليه وسلّم-، امتثال أمره بقبولٍ، وتسليمٍ، ورضا.. حُبًّا يفوق حبّ المال والأهل والولد..
أما المحبّة في الله -جلّ وعزّ-: فتقتضي التّناصح، والتّسامح، والخلوص من المصالح الدّنيويّة، والمنافع الشّخصيّة، وسلامة الصّدر، وحسن الظّنّ، وحفظ الود والعهد، والصّدق، وغيرها كثير..
ثانيًا: الحب الفاسد ، وهو أقسامٌ منها:
1- حب الشّبهة، وهو حبٌّ لمبدأ مغاير لطريق أهل السّنّة والجماعة.. وهو ضلالٌ وانحرافٌ وغوايةٌ؛ لأنّ فيه مضادةً لما جاء عن الله -جلّ وعزّ-، وعن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: فيه ترويجٌ للفكر الإباحيّ الكفريّ، وعرض للأفكار الهدامة، وفيه تشبهٌ بالكفار في عاداتهم وأساليبهم وتفكيرهم وتصوراتهم، وقد يكون في مذهبٍ، أو كتابٍ، أو قناةٍ إعلاميةٍ فضائحيّةٍ..، على العموم ليس هذا مناط حديثنا، وإنّما الكلام على القسم الثّاني وهو:
2- حب الشّهوة، وهذا المقصود من حديثي معك؛ لأن حبّك مبني عليه..
فاعلم -يا رعاك الله- أنّ من أعظم أسباب هذا الحبّ ما يلي:
أولًا: قلة الخوف من الله، وكثرة الإعراض عن الله، والغفلة عن طريق الصّلاح، والبعد عن أهل الخير.
ثانيًا: عدم حفظ الطّرف، فأول الحبّ نظرة كما قيل..
وصدق الأول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدًا***لقلبك يومًا أتعبتك المناظرُ
رأيت الّذي لا كلهُ أنت قادرٌ***عليه ولا عن بعضه أنتَ صابرُ
ثالثًا: الحاجة والمصلحة، فإذا انقضت الحاجة، انقضى ذلك الحبّ..
أحبُّ أبا مروان من أجل تمرهِ***ووالله لولا تمرهُ ما حببتهُ
فتأمل!!
رابعًا: الحب من أجل التّسلي، وإرضاء الغرور، ومجاراة الطّيش ، ولا أدل على هذا من قصة قيس مع ليلاه، وحبّه لها، وتعلقه بها، حتى وصل به الحال لأسوأ ما يكون.. فلقد كان يتعرى من ثيابه، ويخرج من بين البيوت وينادي باسم محبوبته، ويتمتم، ويقول:
وأخرج من بين البيوت لعلني***أحدث عنك النّفس بالّسر خاليًا
ويهيم على وجهه كالمجنون من أجل ليلاه -نعوذ بالله من الخذلان-، وصدق من قال:
أول الحبّ مزاحٌ وولعٌ***ثمّ يزداد فيزداد الطّمع
كل من يهوى وإن طالت به***رتبة الملك لمن يهوى تبع
وما علم المسكين أنّها تحمل في جوفها العذرة، وأنّها تموت.. فكان يفقد الصّواب حتى إذا ذكرت عنده عاد عليه عقله -عياذًا بالله من هذه الحال-؛ فنصحه ناصحٌ بالتّوبة من حبّها، وبترك ذلك الطّريق المظلم.. فرد على ذلك النّاصح بقوله:
أتوب إليك يا رحمن مما***جنت نفسي فقد عظم الذّنوب
وأما من هوى ليلى وتركي***زيارتها فإنّي لا أتوبُ
نعوذ بالله من الخذلان.. فقد علق قلبه حبها، وتعلقها في قلبه، وقد جاء في الحديث: «من تعلق شيئًا وكل إليه» [رواه التّرمذي 2072 وصححه الألباني]، فانظر هديت إلى هذه الذّلّة، والهوان.
خامسًا: الفراغ ، وهو من أسباب تعلّق القلب بغير الربّ عند كثيرٍ من الجهال؛ إذ لو كان المرء مشغولًا بعلمٍ، أو عبادةٍ ، أو عملٍ لما وقع فيما وقع، فالحبّ شغل قلبٍ فارغٍ، "صادف قلبًا خاليّا فتمكن"، ولا تنسى أن نفسك إن لم تشغلها بالطاّعة شغلتك بغيرها.
سادسًا: مجارات الأقران، والأصحاب في سلوك هذا الباب، وهذا تقليدٌ أعمى لهم، ولمن لفّ لفَّهم من أهل قصص العشق والغرام، وروايات الخلاعة، والفسوق، وأغاني الحرام، الّتي هي بريد الزّنا -أجارنا الله وإياكم-.
سابعًا: التّبرج والسّفور، وهو من أعظم مسببات هذا البلاء العظيم.
ثامنًا: استخدام نعمة الله في غير موضعها: ومن ذلك نعمة الاتصال بالغير، وما يسره الله على العبد من حفظ لجهده، ولوقته، ولماله، ولصحته.. فيستخدم هذه النّعمة في معصية المنعم -جلّ وعزّ-، وهذا جهلٌ عظيمٌ، وخطرٌ جسيمٌ.. فيقع في المعاكسات، ويوقع غيره، ويصرف هذه النّعمة في معصية المنعم -جلّ وعزّ-، كل هذا وهو متساهلٌ في شأن هذا الجهاز، جاهلُ بالعواقب الوخيمة ناسيًا أو متناسيًا أنّ المنعم -جلّ وعزّ- مطلع عليه.
تاسعًا: تيسر الوسائل المعينة علية، من تلفازٍ، وقنواتٍ فضائحيّةٍ تبيح الأعراض، والمحرمات، وتهتك الأستار، وتؤذي أهل العفة والخير من الخلق.
ومن الوسائل كذلك ما كان مقروءً من الكتب الّتي تدعو للإباحة بدعوى الأزياء، والموضة أو بدعوى الصّحة الذّاتية أو بدعوى الثّقافة الجنسيّة أو بدعوى الرّوايات الإبداعيّة، أو بدعوى القصص البوليسيّة.. وسواء كانت في كتبٍ أو كتيباتٍ أو مقالاتٍ أو ذكرياتٍ -كما يفعل بعض من خذله الله- أو سِيَر ذاتية عفنة.
عاشرًا: الجهل بالنّتائج الحتمية للحبّ الفاسد؛ إذ لو علم المحب تلك النّتائج لما وقع فيما وقع فيه، فالحكم على الشّيء فرعٌ عن تصوره، وهذا المحبّ لم يتصور نهاية المطاف؛ ومن هذه النّتائج في الغالب ما يلي:
1- "نقص العقل، والعلم، وفساد الدّين والخلق، والاشتغال عن مصالح الدّين والدّنيا"، كان هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو جامع للنّتائج الحتمية للحبّ الفاسد.
2- ومن أخطر هذه النّتائج أنّه طريق لميل القلب لغير خالقه، وفي هذا ما فيه.
3- سوء الخاتمة -أجارنا الله وإياكم-، ووالله ما من هذا الحبّ الفاسد إلا الذّلّ والصّغار والهوان عند الخلق والخالق.
4- ومن هذه النّتائج الخطيرة، وقوع الشّرك الّذي حرّمه الله -جلّ وعزّ-، إذ شرك المحبّة قسمُ من أقسام الشّرك الّذي حرّمه الله على خلقه، وحرّم على من فعله أو وقع فيه دخول الجنّة، فقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].
5- الوقوع في التّشبه بأهل الكفر، والفساد، ومن تشبه بقوم فهو منهم، كما في الحديث.
6- وقوع السّوء من الفحش، ومقدماته -عياذًا بالله-.
7- الضّعف والخور في العزيمة ، فصاحب هذا الدّاء ، بطال من البطالين، خائر العزيمة، بارد الهمّة دائمًا.
8- التّدهور النفسيّ، والاكتئاب، والأحزان، والهموم، والغموم، وفقدان الثّقة بالنّفس.
9- الخوف الدّائم من انكشاف العوار، وانهتاك الأستار، والفضيحة والعار.
10- ضياع الأمن، والاطمئنان.
11- البطالة في الحياة المعيشيّة.
12- إفساد البيوتات على أصحابها، وتمزيق وحدة المنزل، وأُلفَتُه، واجتماعه.
13- رفض الزّواج سواءً المبكر أو غيره، ممّا يؤدي لفشو العنوسة بين الفتيات، وهذا نذير سوء بالفواحش وشيوعها.
14- الخيانات الزّوجية ، فكما قال الشّافعي -رحمه الله-:
إنّ الزّنا دَينٌ إذا أقرضتهُ***كان الوفا من أهل بيتك
فاعلم -أجارنا الله وإياكم-، وعصمنا وذرياتنا وإيّاكم وكلّ مسلمٍ ومسلمةٍ.
15- انتشار الجرائم في البلاد، وفشوها بين العباد.
16- ذهاب الكرامة الّتي أكرم الله بها الإنسان، وإتيان الشّهوانيّة الحيوانيّة.
17- إهدار كرامة المرأة، وجعلها موضعًا لقضاة الوطر فقط، وهذا غلطٌ عظيمٌ.
18- وهناك ضررٌ طريفٌ ظريفٌ، وهو الضّرر الماديّ، في فواتير الهواتف، وفواتير الهدايا وغيرها، عصمنا الله وإيّاكم من الخذلان.
والنّتائج السّلبية الحتمية لداء الحبّ كثيرة، وهذه عُلالة منها علّ الله -جلّ وعزّ- يصرفنا وكلّ مسلمٍ ومسلمةٍ عن مواطن غضبه وسخطه، وأن يوفقنا وإياكم لما فيه صلاح الحال، والمآل، إن الله وليُّ ذلك والقادر عليه.
قال صاحبي وهو يحاورني: وبعد ما سبق أرفع لك يا أخي علم الاستسلام، وقد وقر في قلبي أنّ حبّي حبّ فاسدٌ، وأستغفر الله وأتوب إليه.. لكن ما هو أفضل أقسام الحبّ على الإطلاق؟!
فقلت: أفضلها الحب في الله، ولله -جلّ وعزّ-، وهو الحبّ الصّالح.. وهو دليل الإيمان، ولا أدل عليه من مقولة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما أعتق أبو بكر بلال بن رباح -رضي الله عنهما-، قال: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا.
فقال: إذًا الحبّ في الله ولله من أعظم أبواب الخير.
قلت: نعم ، وأزيدك ما يلي: اعلم أخي أن الحبّ في الله ولله من أعظم أبواب الخير كما أسلفت، وأنّه سببٌ من أسباب الشّعور بحلاوة الإيمان، وأنّ القلب تابعٌ للعقيدة والإيمان، فمن آمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- رسولًا، فلا بد أن يحبّ الله، ويحبّ في الله، وما يحبّه الله ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم-.. ولا تنسى أخي المبارك أنّ الأخلاء يوم القيامة بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتقين، وصدق من قال:
كلّ محبوبٍ سوى الله سرف***همومٌ وغمومٌ وأسفٌ
كلّ محبوبٍ فمنهُ خلفٌ***ما خلا الرّحمن ما منهُ خلفُ
يقول ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: من تمام محبّة الله، محبّة ما يحبّه، وكراهية ما يكرهه.
ويقول ابن القيم -رحمه الله-: من أحبّ شيئًا سوى الله، ولم تكن محبّته لله، ولا لكونه معينًا على طاعة الله، عُذب في الدّنيا قبل اللقاء..
أنت القتيلُ بكل من أحببتهُ***فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
فقال: لقد استغفرت الله، وتبتُ إليه مما كنتُ فيه من الحب، ولكن هل هناك حلٌ قاطعٌ ودواءٌ ناجحٌ لبلواي؟
قلت: نعم..
قال: فعجل به..
قلت: هاك ما تريد.. فأول العلاج -بارك الله فيك- التّوبة النّصوحة لله -جلّ وعزّ- بلا عودةٍ، مع الحرص على البعد عن المحبوب من أجل أن لا تتذكر سوابقك، وعدم الإصرار على ما فات.. وأيضًا من العلاج المداومة على ذكر الله وما والاه من تسبيحٍ وعبادةٍ، وصلاةٍ، وصيامٍ، وحجٍّ، وعمرةٍ، وحضور حلق العلم، ومصاحبة الصّالحين، ودعاءٍ صالحٍ.. وأيضًا من العلاج قضاء الوقت فيما ينفع من أمور الدّنيا والدّين.. وأيضًا من العلاج الزّواج المبكر، وأيضًا من العلاج غضّ البصر واستشعار مراقبة الله لك في كلّ حال من أحوالك.. وأيضًا من العلاج التّفكر في المحبوب، والنّظر في العيوب، فإنّ كلّ محبوب من الخلق فيه نقصٌ، فهو يبول ويتغوط، ويتمخط، ويموت.. وأيضًا من العلاج أن ينظر فيما يفوت عليه حبّه من المصالح الدّينية والدّنيوية.. وأيضًا من العلاج ممارسة بعض الأعمال النّافعة، ولو كانت رياضية للتقوّي على الطّاعة وتدريب النّفس على معاني الرّجولة.. وأيضًا من العلاج النّظر في أحوال أصحاب الأمراض المستعصية، وزيارتهم في المستشفيات، والاطلاع على أحوالهم، ليتذكر المحب نعمة الله العظيمة عليه، وأنّ الله محسن إليه.. وأيضًا من العلاج تجنب مطالعة الصّور المثيرة لهذا الدّاء القتّال، سواء أكانت في أوراق أو في صحفٍ، أو في مجلاتٍ، أو في كتبٍ، أو في قنواتٍ فضائحيةٍ.. وأيضصا من العلاج الابتعاد عن آلات الطّرب وعن سماع الغنى فإنّه بريد الزّنا وشريكه..
وأيضًا إعمال الذّهن، وإشغاله بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، والسّنّة النّبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتّم التّسليم؛ والأشعار العربية الفصيحة الّتي تزيد من تقويم عوج اللسان.. وأيضًا من العلاج هجر أماكن السّوء، وأصحاب السّوء.
قال صاحبي: الآن أدركت أنّي كنت في ضياعٍ.. أشهد الله، ثم أشهدك أنّي تائبٌ من ذنبي عائدٌ إلى ربّي.. غفر الله لي ولك، وجزاك عنّي خير الجزاء.
قلت: وفقنا الله وإياك يا أخي وكلّ مسلمٍ ومسلمةٍ لما فيه صلاح أمرنا في الدّنيا والآخرة، وثبت قلوبنا على الحق إلى يوم نلقاه.. فله الحمد على نعمة الهداية، وله الشّكر على فضله.
واعلم أخي التّائب: أنّ العبد إذا ذُكر فتذكّر، وعُلم فتعلّم وفُهم فتفهّم ، أنّه على خيرٍ عظيمٍ.
وفق الله الجميع لصلاح النّيّة والعمل، ولمعرفة مخططات الأعداء وكيدهم، إنّ الله ولي ذلك والقادر عليه.. تمّ ما تمّ وكتب ما تقدم، وصلّى الله على محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.