(بسم الله الرحمن الرحيم لكل عشاق الشعر التحرري و عشاق بلدنا الحبيبة فلسطين أقدم لكم هذا العمل عن " فلسطين في الجزائر" أرجوا أن يعجبكم )
بالرُّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي الغاشم إلا أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية, لأنَّ صلة الشاعر الجزائري بالمشرق العربي وقضاياه صلة وطيدة وعريقة, وتأتي قضية فلسطين في المقدمة , بِحيث لا نغالي إذا قلنا إن النتاج الأدبي الجزائري, شعرا ونثرا, في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور : الوطنية, والعروبة, والوحدة العربية , وفلسطين.
لقد كتبَ شاعر جزائريٌ ناشِئٌ لم يذكر اسمه خوفا من رقابة الاستعمار الفرنسي قصيدة شعرية عن فلسطين في سنة 1930 م, حيث نشرها آنذاك بمجلة " الشهاب " الجزائرية التي كان يديرها العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, يصوّر فيها مشاعره النابضة نحو القدس وساكنيها, ويعبر فيها عن تعاطف الشعب الجزائري كله مع الشعب الفلسطيني الشقيق فيقول :
ناشـَدْتُكَ اللهَ ياقُـدْسَ العُروبَةِ لا *** تُقمْ حِسابًا, لِمَنْ قَـدْ رَامَ تَمْوِيَها
فَمَا طُموحُ يَهُـودِ الشَّرْقِ يَنْفَعُهُم * وَلاَ يَنَالُـونَ إلاَّ الْمَقْتَ تَشْوِيهَا
يا أُمّةَ الْقُدْسِ, لا يُحْزِنْكَ مَطْمَحُهُم * فَإنَّ لِلْقـُدْسِ رَبًّـا, هُوَ يَحْمِيهَا
أمَّا الْجَـزائِرُ, فَهي مِنْ مُصـابِكُم * في حَر ِنارِ الأسَى, تَشْكُو لِبَارِيهَا
آهٍ عَلَى أُمَّـةِ الْقُدْسِ الَّتِي بَسَطَتْ * لِلْجارِ إحْسَانَها, وأسأَلْ مُجِيِريهَا
آهٍ, عَلَى كـَأْسِ ذُلٍّ, وَهيَ تَرْشُفُها * وعَنْ صِغَارِ كـآباتٍ تُقـاسِيهَا
[size="5"]وفي عام 1936 م قامت الثورة الفلسطينية شعرت السلطات البريطانية بالخطر, فاستخدمت الدبابات والطائرات في قمع الثوار, وأخذت تنكل بالأحرار من أبناء فلسطين فأحس محمد العيد آل خليفة " بالخطر على هذا الجزء من الوطن العربي وأدرك أنَّ يد بريطانيا وراء كل مؤامرة تعرضت لها فلسطين خفية مرة وعلنية أخرى, فكتب قصيدته (بني التايمز) التي يهاجم فيها الانجليز, ويتحسر على ما حلَّ بأولى القبلتين" , يقول:
" بنَي التَّايْمز " قَدْ جُرْتُمْ كَثيرًا *** فهَلْ لكُمْ عَنِ الْجَـوْرِ ازْدجَـارُ ؟
أَفي أَسْـواقِكُمْ نَصبًـا وغَصْبًا * تَسـومُ (القِبْـلَة) الأُولى التّجَـارُ
إِخَالُ (القِبْلَةَ) انْسَجرتْ دِمَـاءً * كَمَـا لِلْبَحْـرِ باللُّجـج انْسِجـارُ
تَرَوْنَ لَهـَا سِوَى العَرَبّي أَهْـلاً * وتَـأْبَى التُّرْبُ فِيهَـا والْحِجَـارُ
فَـلَيْسَ لَهَـا بِلاَ فَمِهِ لِسَـانٌ * وَلَيْسَ لَهَـا بِـلاَ دَمِـهِ نِجــارُ
ألَمْ يُؤْلِمْـكُمُ حَـرَمٌ مُبـاحٌ * وشَعْبٌ يَسْتـجِـيرُ ولا يُجــارُ
إِذَنْ فالحَـرْبُ لِلْعَـربّي دَأْبٌ * وَهَلْ تَخْفَى (الْبَسُوسُ) أو (الْفِجارُ)
شَدَدْتُمْ قَهْـرَهُ فَعَـلاَ انْفِجارًا * وعُقُـبَى شِـدَّةِ القَهْر ِ انْفِجـارُ
و بعدَ أنْ بدأت خيوط المؤامرة تتضح والأطماع الصهيونية تكشر عن أنيابِها أحس الشاعر بالكارثة, وتألَّمَ من مشروع التقسيم المبيت, وشعر بالخطر على " القدس " فتراه يتحدث عنها1937 م, ويؤكّدُ حقّ العرب فيها, يقول :
يا قِسْمَةَ القُدْسِ أَنْتِ ضِيزَى * لم يَعْدِلْ القـاسِمونَ فِيكِ
مَضَوْا عَلى الحَيْفِ لَمْ يُبالُوا * بِمَا جَـرَى مِنْ دَمٍ سَفيكِ
القُدْسُ لِلْعُربِ مِنْ زمـانٍ * لَمْ يَقْبَلُـوا فيهِ مِنْ شريكِ
قَـدْ سامَهُ الأجْنَبُّي خَسْفًـا * وهَـدَّ مِنْ رُكْنِهِ السَّمِيكِ
يا (لُنْدُرة) لـَوْدَرى بَنُونَـا * لم يَأْمَنُوا الْغَـدْرَ مِنْ بَنيكِ
إخالُ شَعْبَ الْيَهُـودِ سـِرًّا * سَبَاكِ بِالْعَسْجَـدِ السَّبِيكِ
أَهَكَـذَا تَفْصـِلُ الْقَضـاءِ * بِحُكْمِهـا لَجْـنَةُ الْمَلِيكِ ؟
قَـدْ دَلَّ طُغْيانُ انْكِـلتْـرَا * عَلَى فَـناء ٍ لَها وَشِيـكِ
وفي سنة 1938 نظم الشاعر قصيدته (يا عام), نشرها في مجلة الشهاب الجزائرية يناجي فيها هذا العام ويستنطقه عن فلسطين, ويتحدّث فيها عن القضية العربية كلها سواء في فلسطين أو في شمال افريقيا, وما يجري فيها من مظالم ومآس فيقول:
يَا عـامُ هَلْ فِيكَ خَيرٌ * لِلْمُسْلِمـينَ يُرَجَّـى
أَخُـوكَ يَا عـامُ فِيه * لَيْلُ الْمَظَـالِم دَجَّى
صبَّ الأذَى فِيهِ صَبَّا * فَرُجَّتِ الأَرْضُ رَجَّـا
ألَمْ تَـرَ الشّـرْقَ فِيهِ * من المظَـالِم دَجَّـى
سِيمَتْ فلَسْطِينُ خَسْفًا * عَجَّ الحِمَى مِنْهُ عَجَّـا
هَذا عن الأَهْل أُقْصِي * وذَاكَ فِي السّجْنِ زُجَّا
وَفي الشّمـالِ هَنَاتٌ * يَمُجُّهَا الذَّوْقُ مَجَّـا
والشَّرقُ وَلهانُ يَرْجُو * أنْ يَسلكَ الأمْن فَجَّا
يـودُّ إقْنَـاعَ خَصْمٍ * في غَمْطِه الحَقِّ لَجَّـا
ويَبْتَغـِي رَدْعَ جـانٍ * وجْهَ الْعَدالةِ شَجَّـا
وفي ختام القصيدة يتوجه الشـاعر بالحديث إلى ذلك العام, وهو لا يرجـو منه الشئ الكثير, لأنَّه أشبه بالطفل الذي لا يُفصح عمّا في نفسه, مثلما كان الأمر بالنسبة للأعوام السابقة عليه(13), يقول :
يَاعَامُ أشْبَهْتَ طِفلاً * بالأبْجَـدِيَةِ هَجَّـا
هَلْ يَبْلُغُ الشَّطَّ أمْرٌ * كالْفُلْكِ فِيكَ يُزَجَّى؟
وَهَلْ نُنَجَّى قَرِيبًّـا * مِنَ الأَذَى هَلْ تُنَجَّى؟
ولم يكتف محمد العيد بِمجـرد التعبير عن تضـامنه مع القضية الفلسطينية, وتأييده لقضـايا الأمـة العربية كلها سـواء في فلسطين أو في شمـال افريقيا, بل غيّر لهجته من التضـامن إلى التهـديد والوعيد, ووصف أخـلاق اليهـود وطبـاعهم الشـريرة التي عرفـوا بِها كالخـداع والجبن والغـرور وسـواها, يقـول محمد العيد في قصيدته "فلسطين العـزيزة " التي نظـمها سنة 1867 :
فَلَسْطينُ العـزيزةُ لاَ تُراعِي * فَعَينُ اللهِ رَاصدِةٌ تُـراعِي
وحَوْلَكِ مِنْ بَنِي عَدْنانَ جُنْدٌ * كَثِيرُ الْعَـدِّ يَزْأرُ كَالسِّباعِ
إذا اسْتَصْرَخْتِهِ لِلْحَـرْبِ لَبَّى * وخَفَّ إلَيْكِ مِنْ كُلِّ الْبِقاعِ
يَجودُ بِكُلِّ مُرْتَخَصٍ وغـَالي * لِيَدْفَعَ عَنْكَ غَاراتِ الضّباعِ
بُليتِ بِهِمْ صَهـايَنَةً جياعًـا * فَسُحْقًا للصَّهايِنَةِ الْجِيـاعِ
سَتَكْشِفُ عَنْهُمُ الهَيْجاءُ سِتْرًا * وتَرمِيهِمُ بِكُلِّ فَتَّى شُجـاعِ
ثم يدخل في وصف أخلاق اليهود, وطباعهم التي عرفوا بِها, فيقول :
وكَيْفَ يُصادِفُ العِبْريُّ نُجْحًـا * وَمَا أَخْـلاَقُـهُ غَيْرَ الْخِـدَاعِ
قد اشْتَهَر اليَهُـودُ بِكُلِّ قُطْرٍ * بِأَنَّ طِبَـاعَهُم شَـرُّ الطّبَـاعِ
قَدِ اغْتَرَّ الْيَهُـودُ بِمَا أَصَابُـوا * بِأَرْضِ الْقُدْسِ مِنْ بَعْضِ الْقِلاَعِ
مَتَى كَانَ الْيَهُـودُ جنُودَ حَربٍ * وَكُفُؤًا لِلأعـارِبِ في الصّراعِ
ويختم القصيدة بِهذا الصوت المتحمس الذي يأتي من الشاعر الثائر مُتوجها إلى فلسطين العزيزة :
فَلَسْطينُ الْعَـزِيزَةُ لا تَخَـافِي * فَإنَّ العُرْبَ هَبُّـوا لِلدِّفَـاعِ
بِجَيْشٍ مُظِلمٍ كَاللَّيْلِ غَـطَّى * حِيالَكِ كُلَّ سَهْلٍ أوْ يَفـَاعِ
ومـا أسْيَافُـهُ إلاَّ نُجـومٌ * رُجـومٌ لِلْيَهـوُدِ بِلا نِزَاعِ
يُرابِطُ في ثُغُـورِكِ مُسْتَعِـدًّا * عَلَى الأهْباتِ لِلأمْرِ المُطـاعِ
سَيَهْجُمُ مِنْ مَراكِـزِهِ عَلَيْهمْ * هُجومَ الآكِلينَ عَلى القصاعي
ونَحْنُ بَنِي العُـروبَةِ قد خُلِقْنا * نُلَبّي لِلْمَعـارِكِ كُلَّ دَاعِـي
لَنَا في الحَرْبِ غـاراتٌ كِبارٌ * وأيَّـامٌ مُخـلَّدَةُ الْمَسَـاعِي
وكَيْفَ نَذِلُّ أوْ نَرْضَى انْخِفَاضًا * ونَجْمُ جُـدُودِنَا نَجْمُ ارْتِفَاعِ
ولمحمد العيد أيضا قصيدة " هيجت وجدي " التي يردُّ فيها عن رسالة شعرية وجّهها إليه الشاعر الجزائري الشيخ أحمد سحنون سنة 1948 م, وهي في معظمها حماس وتضامن مع فلسطين, وتَهديد ووعيد للصهاينة, فيقول :
قُلْ لابْنِ صَهْيونَ اغْتَرَرْتَ فَلا تَجُرْ * إنَّ ابنَ يَعْرُبَ نـاهِضٌ لِلَّثأرِ
أعْرَضْتَ عنْ خُطَطِ السَّلاَمِ مُولِّيا * فَوَقَعْتَ مِنْهَا في خُطُوطِ النَّارِ
لاتَحْسبَنَّ بِأنَّ صُبْحَـكَ طـالِعٌ * فالْبَدْرُ وَيْحَكَ خادِعٌ للسَّارِي
سَتَرَى أمـانِيكَ التي شيّـدْتَهَـا * مُنْهـارةً مَعَ رُكْنِكَ الْمُنْهـَارِ
القُدْسِ لابْنِ الْقُدسِ لاَ لِمُشَـرَّدِ * مُتَصَهْينٍ ومُهَـاجِرٍ غَــدَّارٍ
يالَجْنَةَ التَّقْسِيمِ حِدْتِ عَنْ الْهُدَى * وسخَرتِ مِنْهُ فَبُؤْتِ بِالإنْكـارِ
القِبلَةُ الأولى التي استَصْـغَـرتِها هي لِلْعـُروبة قِبْلةُ الأنْظــارِ
ويسير في هذا الاتجاه شاعر آخر من شعراء الجزائر, وهو محمد جريدي الذي كتب قصيدة شعرية يعالج فيها قضية فلسطين أيام النكبة فيقول :
أَيَا شَعْبُ جـاهِرْ بالقِتالِ عَلَى العِدَا * فَلَمْ يَبْقَ في دَفْعِ الْمَظَـالِم كِتْمـانُ
فَلَـوْلاَ التهابُ العُنْصُرية في الْحَشَا * لَمَا استَفُحَلتْ صَهْيون وانْدَاسَ عُربَانُ
فَوا عَجَبًا مِنْ قِصَّةِ الأُسْدِ, قَدْ غَدَتْ * يُهَاجِمُهَـا في الْمَرْبَضِ اليَوْمَ خِرْفـانُ
تَنَمَّرَ كُفَّـارُ (الكَلِيم) كَـأنْ لَمْ * يَنُص لَنَـا عَنْ ذُلِّـهِم قُرآنٌ قُرْآنُ